القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

القلوب كالقدور تغلي بما فيها وألسنتها مغارفها

عن سفيان قال,طول الصمت مفتاح العبادة,فإن في طول الصمت تفكراّ وكفاّ عن ما لا ينبغي،ومحاسبة للزلات,

قال الفضيل بن عياض, ما حج ولا رباط ولا جهاد أشد من حبس اللسان،فإن اللفظات حفظها بأن لا يخرج لفظة

ضائعة ولا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر، هل فيها ربح

وفائدة أم لا,

قال يحيى بن معاذ,القلوب كالقدور تغلي بما فيها، وألسنتها مغارفها، فانظر إلى الرجل حين يتكلم فإن لسانه

يغترف لك مما في قلبه، حلو وحامض، وعذب وأجاج، ويبين لك طعم قلبه اغتراف لسانه,والكلام إذا كان دفاعًا

عن خير ودعوة إلى علم وقراءة للقرآن وذكر لله فذلك,أكثر منه، فإنه يسرك يوم القيامة إذا نظرت في صحيفتك,وأخذت

كتابك بيمينك,اعلم أن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر، لا يمكن استرجاع

بوادره، ولا يقدر على رد شوارده، فحق على العاقل أن يحترز من زلله,قيل للقمان الحكيم,ما حكمتك, قال,لا أسأل

عما كفيت ولا أتكلف ما لا يعنيني,أن بعض الحكماء رأى رجلا يكثر الكلام ويقل السكوت، فقال, إن الله تعالى إنما

خلق لك أذنين ولسانا واحدا ليكون ما تسمعه ضعف ما تتكلم به,والكثير الآن تجاوز هذا الضعف، يهذر بما يعلم

وما لا يعلم، لا يتحدث في علم إلا له فيه قول,ولا يمر اسم فلان من الناس إلا لمزه وغمزه,والقلب إذا عرى من الهيبة

عرى من الإيمان,ولكي يسلم المتحدث من الزلل في حديثه والنقص في مقاله فإن عليه أن يكون الكلام لداع يدعو

إليه، إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر,وأن يأتي به في موضعه،ويقتصر منه على قدر حاجته,وأن يتخير اللفظ

الذي يتكلم به,ومن يقدر الآن على الصمت ونحن في زمن يخيل للسامع أن الإنسان خلق بلسان دون أذن,فالكل يتحدث

ترتفع الأصوات في المجالس ويكثر اللغط ولا تعلم من يحدث من, ومن يستمع لمن,ترى اثنين يتحدثان بصوت

مرتفع,ولكن أين المستمع,أفلا نفكر ولو أيام معدودة في الصمت عما لا يعنينا, ولو لساعات فقط,ولكن الأمر كما

قال محمد بن واسع لمالك بن دينار, يا أبا يحيى حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم,وحدد

محمد بن عجلان الكلام بأربعة أن تذكر الله، وتقرأ القرآن ,وتسأل عن علم فتخبر به، أو تتكلم فيما يعنيك من

أمر دنياك,وقال, اجعل لدينك غلافًا كغلاف المصحف أن تدنسه الآفات قال,وما غلاف الدين,قال,ترك طلب الدنيا إلا

مما لا بد منه, وترك كثرة الكلام ,ومخالطة الناس إلا فيما لا بد منه,وحتى في السكوت ربما يلحقك مذمة، ويتبعك

ملامة ولكن عليك بقول أبي الدرداء, أدركت الناس ورقًا ولا شوك فيه، فأصبحوا شوكًا لا ورق فيه، إن نقدتهم نقدوك،

وإن تركتهم لا يتركوك، قالوا, فكيف نصنع, قال, تقرضهم من عرضك ليوم فقرك,فأقرض من عرضك ليوم

فقرك,واعلم أنها حسنات تجمع لك تراها يوم القيامة مثل الجبال،في ذلك اليوم العصيب,إما إلى الجنة أو إلى النار

ولهذا الموقف قال أبو حازم, انظر الذي تحب أن يكون معك في الآخرة، فقدمه اليوم، وانظر الذي تكره، أن يكون

معك فاتركه اليوم,ويكفي من طول بعض المجالس قليل من الوقت,فإن طال المجلس,بدأت آفات اللسان. فاحفظ

أمرك وحاسب نفسك,لقاء الناس لا يفيد شيئاّ ,سوى القيل والقال,فأقلل من لقاء الناس إلا لأخذ العلم أو إصلاح

حال,قال عمر بن عبد العزيز, إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة,والإنسان لا يخلو من محادثة الكثير

ممن تتفاوت عقولهم وتختلف مداركهم، وتتلون طباعهم, دع المراء والجدل، فإنه لن يعجز أحد رجلين،

رجل هو أعلم منك، فكيف تعادي وتجادل من أعلم منك,ورجل أنت أعلم منه، فكيف من أنت أعلم منه، ولا

يطيعك,وخير للمرء إن أراد المحافظة على دينه من النقص وعلى كرامته من الخدش أن يلزم الصمت أو يقول خيرًا,ولا

خير في الحياة,

جعلني الله وإياك ممن إذا تكلم نفع وكان حديثاّ في موازين أعماله، وإن سكت كان خيرا له.